کد مطلب:187343 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:217

و سلاحه البکاء (39)
قوافل الحجاج تنساب فی بطون الأودیة، لكأنها تصغی الی نداء ابراهیم؛ الكتل البشریة تتدفق صوب أول بیت وضع للناس، و موسم هذا العام موسم زحام بعد أن وضعت الحرب أوزارها، و نسی الناس أو كادوا ذكریات حزینة، أو دفنوها فی أعماق القلوب.

و تعلو فی الآفاق نداءات الحریة للانسان عندما یعبدالله وحده و تهتف الحناجر الآدمیة: لبیك اللهم لبیك... لبیك لا شریك لك لبیك..ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شریك لك...

و تطفو الكعبة فی بحر الأمواج البشریة و هی ترفل بثیاب الحج البیضاء كحمائم السلام. و هنا یدرك الانسان أن لا اله الا الله... لا رب سواه و ان الناس سواسیة لا فضل لعربی علی أعجمی الا بالتقوی...

فیصغی المرء الی كلمات الله و هی تتدفق فی قلب الانسان: «یا أیها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثی و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ان أكرمكم عندالله أتقاكم» فتتهاوی الحواجز و تتلاشی الامتیازات و تتمزق الحجب و اذا المسلم أخو المسلم حقا و اذا القلوب تتطهر من



[ صفحه 148]



أدران الشرك.

كان «هشام بن عبدالملك» یطوف حول الكعبة لا یكترث له أحد و لا یهابه انسان حوله رجاله من أهل الشام...

بذل هشام كل ما بوسعه فی استلام الحجر الاسود ولكن الأمواج البشریة كانت تصده فی كل مرة فیرجع خائبا.

بان الحنق فی عینه الحولاء.

ألقی بنفسه علی كرسی فی ناحیة من الحرم و جلس ینظر و ینتظر انحسار الأمواج البشریة؛ شعر بأنه لیس شیئا فی هذا المكان، و بدا له الحجر الأسود بعیدا.. بعیدا جدا.

و أقبل رجل قد اجتاز الخمسین من السنین، و كان وجهه یضیئ كقمر بین الغیوم.. و حدث أمر عجیب . تناثرت أسئلة و ارتسمت علامات استفهام. تساءل شامی و هو یتطلع الی رجل یرفل بحلته البیضاء الناصعة نصاعة الثلوج فی جبال الشام.

- من هذا الرجل الذی ینفرج له الناس كملك عظیم؟!

و هتف بأصحابه:

- انظروا.. انظروا.. انه یشق طریقه بیسر الی الحجر الأسود.

قبل الرجل ذی الوجه المضیئ الحجر الأسود و استأنفت الأمواج البشریة تدافعها من جدید.

التفت الشامی الی خلیفة المستقبل:

- من هذا؟!



[ صفحه 149]



رد الأحول بغیظ:

- لا أدری.

وحده القدر یفسر مرور الشعراء فی لحظات یتوقف عندها التاریخ باجلال.

هتف الفرزدق:

- ولكنی أدری من هو.

تساءل الشامی بشوق:

- و من هو یا أبافراس؟

فأنشد:

هذا الذی تعرف البطحاء و طأته

و البیت یعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خیر عباد الله كلهم

هذا التقی النقی الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله

بجده أنبیاء الله قد ختموا

اذا رأته قریش قال قائلها

الی مكارم هذا ینتهی الكرم

یكاد یمسكه عرفان راحته

ركن الحطیم اذا ما جاء یستلم

و لیس قولك من هذا بضائره



[ صفحه 150]



العرب تعرف من أنكرت و العجم.

استشاط هشام حقدا.. و بدت عینه الحولاء تتراقص فی محجرها. و تخطفت الجلاوزة شاعرا نفث روح القدس علی لسانه.. و سیق الشاعر مخفورا الی السجن فهذا زمن مصنوع من خشب و نحاس... زمن لا یعرف للكلمة حرمتها.. زمن غابت فیها الآیات وراء القضبان.



[ صفحه 151]